كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما ألقى يونس عليه سلام نفسه في البحر التقمه الحوت، هوى به حتى انتهى إلى مفجر من الأرض أو كلمة تشبهها، فسمع تسبيح الأرض {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87] فأقبلت الدعوة تحوم العرش، فقالت الملائكة: يا ربنا إنا نسمع صوتًا ضعيفًا من بلاد غربة قال: وتدرون ما ذاكم؟ قالوا: لا يا ربنا قال: ذاك عبدي يونس قالوا: الذي كنا لا نزال نرفع له عملًا متقبلًا، ودعوة مجابة، قال: نعم. قالوا: يا ربنا ألا ترحم ما كان يصنع في الرخاء، وتنجيه عند البلاء. قال: بلى فأمر الحوت فحفظه».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن لفظه حين لفظه في أصل يقطينة وهي الدباء، فلفظه وهو كهيئة الصبي، وكان يستظل بظلها، وهيأ الله له أرواة من الوحش، فكانت تروح عليه بكرة وعشية، فتفشخ رجليها، فيشرب من لبنها حتى نبت لحمه.
وأخرج ابن إسحاق والبزار وابن جرير عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أراد الله حبس يونس عليه السلام في بطن الحوت، أوحى الله إلى الحوت أن خذه، ولا تخدش له لحمًا، ولا تكسر له عظمًا، فأخذه ثم أهوى به إلى مسكنه في البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر، سمع يونس حسًا فقال في نفسه: ما هذا...! فأوحى الله إليه وهو في بطن الحوت: إن هذا تسبيح دواب الأرض، فسبح وهو في بطن الحوت، فقالوا: ربنا إنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غربة قال: ذاك عبدي يونس، عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم عمل صالح؟ قال: نعم. فشفعوا له عند ذلك، فأمره، فقذفه في الساحل كما قال الله {وهو سقيم}».
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن يونس عليه السلام كان وعد قومه العذاب، وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام، ففرقوا بين كل والدة وولدها، ثم خرجوا، فجأروا إلى الله، واستغفروه، فكف الله عنهم العذاب، وغدا يونس عليه السلام ينتظر العذاب، فلم ير شيئًا، وكان من كذب ولم يكن له بينة قتل. فانطلق مغاضبًا، حتى أتى قومًا في سفينة، فحملوه وعرفوه، فلما دخل السفينة ركدت، والسفن تسير يمينًا وشمالًا فقال: ما بال سفينتكم؟! قالوا: ما ندري! قال: ولكني أدري أن فيها عبدًا أبق من ربه، وأنها والله لا تسير حتى تلقوه، قالوا: أما أنت والله يا نبي الله فلا نلقيك. فقال لهم يونس عليه السلام: اقترعوا فمن قرع. فليقع، فاقترعوا فقرعهم يونس عليه السلام ثلاث مرات، فوقع وقد وكل به الحوت، فلما وقع ابتلعه، فأهوى به إلى قرار الأرض، فسمع يونس عليه السلام تسبيح الحصى {فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87] قال: ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل، قال: {فنبذ بالعراء وهو سقيم} قال كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش، وأنبت الله عليه شجرة من يقطين، فكان يستظل بها ويصيب منها، فيبست فبكى عليها حين يبست، فأوحى الله إليه: أتبكي على شجرة أن يبست، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم؟ فخرج فإذا هو بغلام يرعى غنمًا فقال: ممن أنت يا غلام؟ قال: من قوم يونس قال: فإذا رجعت إليهم، فاقرئهم السلام وأخبرهم إنك لقيت يونس، فقال له الغلام: إن تكن يونس فقد تعلم أنه من كذب ولم يكن له بينة قتل، فمن يشهد لي قال: تشهد لك هذه الشجرة، وهذه البقعة. فقال الغلام ليونس: مرهما فقال لهما يونس عليه السلام: إذا جاء كما هذا الغلام فاشهدا له. قالتا: نعم.
فرجع الغلام إلى قومه، وكان له إخوة، فكان في منعة، فأتى الملك فقال: إني لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام، فأمر به الملك أن يقتل فقال: إن له بينة، فأرسل معه، فانتهوا إلى الشجرة والبقعة فقال لهما الغلام: نشدتكما بالله هل أشهدكما يونس؟ قالتا: نعم. فرجع القوم مذعورين يقولون: تشهد لك الشجرة والأرض! فأتوا الملك، فحدثوه بما رأوا، فتناول الملك يد الغلام، فأجلسه في مجلسه، وقال: أنت أحق بهذا المكان مني، وأقام لهم أمرهم ذلك الغلام أربعين سنة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: إن يونس بن متى كان عبدًا صالحًا، وكان في خلقه ضيق، فلما حملت عليه أثقال النبوّة.
ولها أثقال لا يحملها إلا قليل. تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل، فقذفها من يده، وخرج هاربًا منها. يقول الله لنبيه {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تكن كصاحب الحوت} [الأحقاف: 35].
وأخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {فساهم فكان من المدحضين} قال: من المسهومين قال: اقترع فكان من المدحضين قال: من المسهومين.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن قتادة رضي الله عنه {فساهم فكان من المدحضين} قال: احتبست السفينة، فعلم القوم أنها احتبست من حدث أحدثوه، فتساهموا فقرع يونس عليه السلام، فرمى بنفسه، {فالتقمه الحوت وهو مليم} أي مسيء فيما صنع {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: كان كثير الصلاة في الرخاء فنجا، وكان يقال في الحكمة. إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر، وإذا ما صرع وجد متكأ {للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} يقول: لصارت له قبر إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن وهب بن منبه رضي الله عنه أنه جلس هو وطاوس ونحوهم من أهل ذلك الزمان، فذكروا أي أمر الله أسرع؟ فقال بعضهم: قول الله تعالى: {كلمح البصر} [النحل: 77] وقال بعضهم: السرير حين أتى به سليمان. فقال ابن منبه: أسرع أمر الله أن يونس على حافة السفينة، إذ أوحى الله تعالى إلى نون في نيل مصر، فما خرَّ من حافتها إلا في جوفه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال «التقمه حوت» يقال له نجم، فجرى به في بحر الروم، ثم النيل، ثم فارس، ثم في دجلة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وهو مليم} مسيء.
وأخرج ابن الأنباري والطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: {وهو مليم} قال: المليم المسيء والمذنب قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت أمية بن أبي الصلت وهو يقول:
بريء من الآفات ليس لها ** بأهل ولكن المسيء هو المليم

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {وهو مليم} قال: مذنب.
وأخرج أحمد في الزهد عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله: {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: لولا أنه حلاله عمل صالح {للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} قال: وفي الحكمة. إن العمل الصالح يرفع صاحبه.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: من المصلين قبل أن يدخل بطن الحوت.
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن جرير عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: ما كان إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت. فذكر ذلك لقتادة رضي الله عنه فقال: لا. إنما كان يعمل في الرخاء.
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: من المصلين.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: العابدين الله قبل ذلك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن أبي الحسن رضي الله عنه {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: لولا أنه كان له سلف من عبادة وتسبيح، تداركه الله به حين أصابه ما أصابه، نعمه في بطن الحوت أربعين من بين يوم وليلة، ثم أخرجه وتاب عليه.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: نعلم والله أن التضرع في الرخاء استعداد لنزول البلاء، ويجد صاحبه متكأ إذا نزل به، وإن سالف السيئة تلحق صاحبها وإن قدمت.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الضحاك رضي الله عنه قال: اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة، فإن يونس عليه السلام كان عبدًا صالحًا ذاكرًا لله، فلما وقع في بطن الحوت قال الله {فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} وإن فرعون كان عبدًا طاغيًا، ناسيًا لذكر الله، فلما أدركه الغرق قال: {آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين} [يونس: 90] فقيل له {آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين} [يونس: 90].
وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في شعب الإِيمان عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: كان يكثر الصلاة في الرخاء، فلما حصل في بطن الحوت، ظن أنه الموت، فحرك رجليه، فإذا هي تتحرك، فسجد وقال: يا رب اتخذت لك مسجدًا في موضع لم يسجد فيه أحد.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم عن الشعبي قال: التقمه الحوت ضحى، ولفظه عشية، ما بات في بطنه.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مكث يونس عليه السلام في بطن الحوت أربعين يومًا.
وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه عن ابن جريج قال: بقي يونس في بطن الحوت أربعين يومًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي مالك رضي الله عنه قال: لبث يونس عليه السلام في بطن الحوت أربعين يومًا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: لبث يونس في بطن الحوت سبعة أيام، فطاف به البحار كلها، ثم نبذه على شاطىء دجلة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: {التقمه الحوت} يقال له نجم، وإنه لبث ثلاثًا في جوفه، وفي قوله: {فلولا أنه كان من المسبحين} قال: كان كثير الصلاة في الرخاء، فنجا {للبث في بطنه} قال: لصار له بطن الحوت قبرًا {إلى يوم يبعثون} قال: إلى يوم القيامة. وفي قوله: {فنبذناه بالعراء} قال: شط دجلة. ونينوى على شط دجلة، مكث في بطنه أربعين يومًا يتردّد به في دجلة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {فنبذناه بالعراء} قال: ألقيناه بالساحل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن شهر بن حوشب رضي الله عنه قال: انطلق يونس عليه السلام مغضبًا، فركب مع قوم في سفينة، فوقفت السفينة لم تسر، فساهمهم، فتدلى في البحر، فجاء الحوت يبصبص بذنبه، فنودي الحوت أنا لم نجعل يونس لك رزقًا، إنما جعلناك له حرزًا ومسجدًا.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه قال: لما ذهب مغاضبًا، فكان في بطن الحوت قال من بطن الحوت: إلهي من البيوت أخرجتني، ومن رؤوس الجبال أنزلتني، وفي البلاد سيرتني، وفي البحر قذفتني، وفي بطن الحوت سجنتني، فما تعرف مني عملًا صالحًا تروح به عني. قالت الملائكة عليهم السلام: ربنا صوت معروف من مكان غربة! فقال لهم الرب: ذاك عبدي يونس قال الله {فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} وكان في بطن الحوت أربعين يومًا، فنبذه الله {بالعراء وهو سقيم} وأنبت {عليه شجرة من يقطين} قال: اليقطين الدباء، فاستظل بظلها، وأكل من قرعها، وشرب من أصلها ما شاء الله. ثم إن الله تعالى أيبسها، وذهب ما كان فيها، فحزن يونس عليه السلام، فأوحى الله إليه: حزنت على شجرة أنبتها ثم أيبستها، ولم تحزن على قومك حين جاءهم العذاب، فصرف عنهم، ثم ذهبت مغاضبًا.
وأخرج أحمد في الزهد وعبد بن حميد وأبو الشيخ عن حميد بن هلال قال: كان يونس عليه السلام يدعو قومه، فيأبون عليه، فإذا خلا دعا الله لهم بالخير، وقد بعثوا عليه عينًا، فلما أعيوه، دعا الله عليهم، فأتاهم عينهم فقال: ما كنتم صانعين فاصنعوا، فقد أتاكم العذاب، فقد دعا عليكم، فانطلق ولا يشك أنه سيأتيهم العذاب، فخرجوا قد ولهوا البهائم عن أولادها، فخرجوا تائبين فرحمهم الله تعالى، وجاء يونس عليه السلام ينظر بأي شيء أهلكها، فإذا الأرض مسودة منهم بدون عذاب، وذاك حين ذهب مغاضبًا، فركب مع قوم في سفينة، فجعلت السفينة لا تنفذ، ولا ترجع فقال بعضهم لبعض، ماذا إلا لذنب بعضكم؟ فاقترعوا أيكم نلقيه في الماء ونخلي وجهنا، فاقترعوا، فبقي سهم يونس عليه السلام في الشمال فقالوا: لا نفتدي من أصحابنا بنبي الله فقال يونس عليه السلام: ما يراد غيري، فاقذفوني ولا تنكسوني، ولكن صبوني على رجلي صبًا، ففعلوا وجاء الحوت شاحبًا فاه، فالتقمه فاتبعه حوت أكبر من ذلك ليلتقمهما، فسبقه فكان يونس في بطن الحوت حتى رق العظم، وذهب اللحم والبشر والشعر، وكان سقيمًا فدعا بما دعا به، فنبذ بالعراء وهو سقيم، فأنبت الله {عليه شجرة من يقطين} فكان فيها غذاه حتى اشتد العظم، ونبت اللحم والشعر والبشر، فعاد كما كان، فبعث الله عليها ريحًا، فيبست فبكى عليها، فأوحى الله إليه يا يونس أتبكي على شجرة جعل الله لك فيها غذاء، ولا تبكي على قومك أن يهلكوا؟
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه قال: لما بعث الله يونس عليه السلام إلى قومه يدعوهم إلى الله وعبادته، وأن يتركوا ما هم فيه، أتاهم فدعاهم، فأبوا عليه، فرجع إلى ربه فقال: رب إن قومي قد أبوا عليَّ وكذبوني قال: فارجع إليهم فإن هم آمنوا وصدقوا، وإلا فاخبرهم أن العذاب مصبحهم غدوة، فأتاهم فدعاهم، فأبوا عليه قال: فإن العذاب مصبحكم غدوة، ثم تولى عنهم فقال القوم بعضهم لبعض، والله ما جربنا عليه من كذب منذ كان فينا، فانظروا صاحبكم، فإن بات فيكم الليلة، ولم يخرج من قريتكم، ولم يبت فيها، فاعلموا أن العذاب مصبحكم، حتى إذا كان في جوف الليل، أخذ مخلاة فجعل فيها طعيمًا له، ثم خرج فلما رأوه فرقوا بين كل والدة وولدها، من بهيمة أو إنسان، ثم عجوا إلى الله مؤمنين ومصدقين بيونس عليه السلام، وبما جاء به، فلما رأى الله ذلك منهم بعد ما كان قد غشيهم العذاب كما يغشى القبر بالثوب كشفه عنهم، ومكث ينظر ما أصابهم من العذاب، فلما أصبح رأى القوم يخرجون لم يصبهم شيء من العذاب قال: لا والله لا آتيهم وقد جربوا عليَّ كذبة، فخرج فذهب مغاضبًا لربه، فوجد قومًا يركبون في سفينة، فركب معهم، فلما جنحت بهم السفينة، تكفت ووقفت فقال القوم: إن فيكم لرجلًا عظيم الذنب، فاستهموا لا تغرقوا جميعًا، فاستهم القوم فسهمهم يونس عليه السلام قال القوم: لا نلقي فيه نبي الله، اختلطت سهامكم، فأعيدوها فاسهموا، فسهمهم يونس فلما رأى يونس عليه السلام ذلك قال للقوم: فالقوني لا تغرقوا جميعًا، فألقوه فوكل الله تعالى به حوتًا، فالتقمه لا يكسر له عظمًا، ولا يأكل له لحمًا، فهبط به الحوت، إلى أسفل البحر، فلما جنه الليل، نادى في ظلمات ثلاث: ظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، وظلمة البحر: {أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} [الأنبياء: 87] فأوحى الله إلى الحوت: أن ألقيه في البر، فارتفع الحوت، فألقاه في البر لا شعر له، ولا جلد، ولا ظفر، فلما طلعت عليه الشمس أذاه حرها، فدعا الله فأنبتت {عليه شجرة من يقطين} وهي الدباء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: لما ألقي يونس عليه السلام في بطن الحوت، طاف في البحور كلها سبعة أيام، ثم انتهى به إلى شط دجلة، فقذفه على شط دجلة، فأنبت الله {عليه شجرة من يقطين} قال من نبات البرية، فأرسله {إلى مائة ألف أو يزيدون} قال: يزيدون بسبعين ألفًا، وقد كان أظلهم العذاب، ففرقوا بين كل ذات رحم ورحمها من الناس والبهائم، ثم عجوا إلى الله، فصرف عنهم العذاب، ومطرت السماء دمًا.